• يقول د. راغب السرجاني 

      

    مكانة قريش بين العرب بعد بدر 

    في الوقت الذي كان لغزوة بدر آثارها الإيجابية على المسلمين كان هناك أثرٌ سلبيٌّ على المشركين في مكة الذين فجعوا بهذا الحدث الضخم، فكانت بدر ضربة قاسمة هائلة لقريش، وهزة عظيمة جدًّا لكبرياء وكرامة وعزة قريش؛ فقد كانت أمنع قبيلة في العرب وأعز قبيلة، وصاحبة التاريخ المجيد، وكانت تحظى باحترام كل القبائل العربية، ولكن بعد (بدر) اهتزَّت مكانتها واختلف وضعها كثيرًا عن ذي قبل، فقد قُتل سبعون من المشركين ممن شاركوا في بدر، وأُسر سبعون آخرون، وهو عدد هائل وكبير بالمقارنة مع (سرية نخلة) التي قامت لها قريش ولم تقعد، وأشعلت حربًا إعلامية كبيرة ضد المسلمين، مع أنه لم يُقتل في هذه السرية غير واحد، ولم يؤسر غير اثنين. ووقعت قريش كلها في مأساة عظيمة بعد هذه الغزوة، والذين قتلوا من المشركين هم عمالقة الكفر وقادة الضلال وأئمة الفساد في الأرض، فمنهم فرعون هذه الأمة أبو جهل عليه لعنة الله، ومنهم الوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي مُعَيْط، وأمية بن خلف، وأسماء ضخمة جدًّا ومشهورة من هؤلاء السبعين الذين قُتلوا، وكان قتلهم جميعًا في يوم واحد

      ووقع الخبر كالصاعقة على أهل قريش ولم يصدِّقوا ، فلا يُعقل أن يُقتل كل هؤلاء وفي يوم واحد.

    و قد  ترتَّب على انتصار المسلمين في بدر أزمات كثيرة للمشركين في مكة:

    أولاً: أزمة سياسية: فقد فَقَدت قريش مكانتها بين العرب واهتزت هيبتها تمامًا.

    ثانيًا: أزمة اجتماعية: فما من بيت في قريش إلا وقد أصيب منه واحد أو اثنان.

    ثالثًا: الأزمة الكبيرة جدًّا والخطيرة أيضًا، وهي المشكلة الاقتصادية، حيث كانت قريش تعتمد على التجارة في رحلة الصيف ورحلة الشتاء، وتمر إحدى الرحلتين على المدينة في طريقها إلى الشام، ووجود دولة في المدينة المنورة بهذه القوة بحيث إنها تسيطر على المداخل والمخارج المؤدية إلى الشام، هذه القوة -لا شك- ستمنع التجارة إلى الشام، ولو مُنعت التجارة مع الشام سقطت التجارة كُلِّيَّة في مكة، وستتأثر كذلك تجارة اليمن؛ لأنهم كانوا يأتون من الشام بما يبيعونه في اليمن، ومن اليمن بما يبيعونه في الشام، وهكذا.

    فهي مأساة اقتصادية حقيقية لأهل مكة المكرمة ، مع العلم أن قريشًا ما زالت متأثرة بأحداث سرية نخلة التي فقدت فيها قريش قافلة ثرية جدًّا، ثم نجت العير في بدر بصعوبة بالغة، ومن المستحيل أن تستمر التجارة مع الشام في ظل هذه الأجواء.


    votre commentaire


    Suivre le flux RSS des articles de cette rubrique
    Suivre le flux RSS des commentaires de cette rubrique