• «وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» ..
    وقد عد الاختلاف على حقيقة التوحيد كفرا وهدد الكافرين بسرعة الحساب كي لا يكون الإمهال - إلى أجل - مدعاة للجاجة في الكفر والإنكار والاختلاف .. - ثم لقن نبيه - صلى اللّه عليه وسلم - فصل الخطاب في موقفه من أهل الكتاب والمشركين جميعا. ليحسم الأمر معهم عن بينة ، ويدع أمرهم بعد ذلك للّه ، ويمضي في طريقه الواضح متميزا متفردا :
    «فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ : أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ. وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ؟ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا. وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ. وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ» ..
    إنه لا سبيل إلى مزيد من الإيضاح بعد
    هذا. فإما اعتراف بوحدة الألوهية والقوامة، وإذن فلا بد من الإسلام والإتباع. وإما مماحكة ومداورة. وإذن فلا توحيد ولا إسلام.
    ومن ثم يلقن اللّه - تعالى - رسوله - صلى اللّه عليه وسلم - كلمة واحدة تبين عقيدته كما تبين منهج حياته :
    «فَإِنْ حَاجُّوكَ» - أي في التوحيد وفي الدين - «فَقُلْ : أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ» أنا «وَمَنِ اتَّبَعَنِ» .. والتعبير بالاتباع ذو مغزى هنا. فليس هو مجرد التصديق. إنما هو الاتباع. كما أن التعبير بإسلام الوجه ذو مغزى
    كذلك. فليس هو مجرد النطق باللسان أو الاعتقاد بالجنان. إنما هو كذلك الاستسلام. استسلام الطاعة والاتباع ..
    وإسلام الوجه كناية عن هذا الاستسلام. والوجه أعلى وأكرم ما في الإنسان. فهي صورة الانقياد الطائع الخاضع المتبع المستجيب.
    هذا اعتقاد محمد - صلى اللّه عليه وسلم - ومنهج حياته. والمسلمون متبعوه ومقلدوه في اعتقاده ومنهج حياته .. فليسأل إذن أهل الكتاب والأميين سؤال التبيّن والتمييز ووضع الشارة المميزة للمعسكرين على وضوح لا اختلاط فيه ولا اشتباه :
    «وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ : أَأَسْلَمْتُمْ؟» ..
    فهم سواء. هؤلاء وهؤلاء. المشركون وأهل الكتاب هم مدعوون إلى الإسلام بمعناه الذي شرحناه. مدعوون للإقرار بتوحيد ذات اللّه، ووحدة الألوهية ووحدة القوامة. مدعوون بعد هذا الإقرار إلى الخضوع لمقتضاه. وهو تحكيم كتاب اللّه ونهجه في الحياة.
    «فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا» ..
    فالهدى يتمثل في صورة واحدة. هي صورة الإسلام. بحقيقته تلك وطبيعته. وليس هنالك صورة أخرى، ولا تصور آخر، ولا وضع آخر، ولا منهج آخر يتمثل فيه الاهتداء.. إنما هو الضلال والجاهلية والحيرة والزيغ والالتواء ..
    «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ» ..
    فعند البلاغ تنتهي تبعة الرسول وينتهي عمله. وكان هذا قبل أن يأمره اللّه بقتال من لا يقبلون الإسلام حتى ينتهوا: إما إلى اعتناق الدين والخضوع للنظام الذي يتمثل فيه. وإما إلى التعهد فقط  بالطاعة للنظام في صورة أداء الجزية .. حيث لا إكراه على الاعتقاد ..

    سيد قطب


    votre commentaire