• غزوة بدر: آثار غزوة بدر على المسلمين

    يقول د. راغب السرجاني 

    كانت غزوة بدر من أعظم الغزوات في تاريخ المسلمين، وهي كما سماها رب العالمين يوم الفرقان، وإذا سمَّى الله عزّ و جل هذه الغزوة  بهذا الاسم، فما من شك أنها فصلت بالفعل، وفرَّقت بين مرحلتين مهمَّتين من مراحل الدعوة الإسلامية والأمة الإسلامية.

    وإذا نظرت إلى حال الأمة الإسلامية قبل وبعد غزوة بدر، فإنك تلاحظ الفارق الهائل بين الحالين، فقد كان لغزوة بدر أثرٌ كبيرٌ، ليس فقط على المدينة المنورة أو مكة المكرمة، بل على الجزيرة العربية كلها وعلى العالم بصفة عامة، وما زال لغزوة بدر آثارٌ إلى يومنا هذا، وسيكون لها الأثر إلى يوم القيامة.

    الأثر الأول: الميلاد الحقيقي للدولة الإسلامية 

    هذا هو الأثر الأول والأعظم لهذه الغزوة العظيمة؛ الميلاد الحقيقي للأمة الإسلامية والدولة الإسلامية بقيادة الرسول صلى الله عليه و سلم، وعلى أكتاف الجيش الإسلامي الذي ولد في هذه الغزوة قامت دولة الإسلام، وقد عرف صحابة النبي صلى الله عليه و سلم صفات الأمة المنتصرة وصفات الجيش المنتصر، ودرسوها جيدًا وطبَّقوها في كل المعارك التي انتصر فيها المسلمون، وإذا خالف المسلمون نقطة أو بعض النقاط من هذه الصفات تأتي الهزيمة والمصائب.

    ومن هنا كانت غزوة بدر مقياسًا ومعيارًا يجب أن يقيس عليه المسلمون أحوالهم، فإن كانوا يطابقون هذه الصفات وهذه الأحوال فلله الحمد والمنّة والفضل؛ وإن كانوا غير ذلك فلا بد أن يعدِّلوا مسارهم؛ ليعودوا إلى الطريقة التي سار عليها أهل بدر رضي الله عنهم أجمعين.

    إن أمة الإسلام ولدت بعد غزوة بدر وأصبح لها هَيْبَة في الجزيرة العربية بكاملها، وبدأ أهل الجزيرة العربية جميعًا يتساءلون عن الإسلام وعن المسلمين، فقد كانوا قبل ذلك يعتقدون أن الأمر مجرد اختلاف داخلي في مكة، فهو مجرد رجل ظهر في مكة بينه وبين قومه خلاف وظهر لهذا الرجل أتباع، وهؤلاء الأتباع لهم أعداء، فكانت الحرب الداخلية الأهلية في داخل مكة المكرمة، ثم كانت الهجرة التي لفتت أنظار العرب، لكن اللفت الحقيقي للأنظار كان بعد غزوة بدر؛ فكان الانتصار الضخم الهائل الذي حققه المسلمون كفيلاً بأن يسأل كثيرٌ من الناس عن الإسلام وعن المسلمين. ولا شك أن هذا الأمر فتح للإسلام قلوبًا كثيرة، فكان هذا الأثر هو أول الآثار وأعظمها، وبدأ الرسول صلى الله عليه و سلم ينظم دولته كدولة مستقلة، لها كيانها ولها احترامها ولها مكانتها العظيمة في داخل الجزيرة العربية.

    الأثر الثاني: الأثر الإيجابي على المسلمين في المدينة ممن لم يشهدوا الغزوة 

    لما وصلت أخبار هذه الغزوة إلى المدينة المنورة اختلطت بعض المشاعر في قلوب المؤمنين؛ مشاعر الفرح والسرور بهذا النصر العظيم بمشاعر الندم لعدم المشاركة في هذا النصر العظيم، فقد كان نصرًا كبيرًا وعظيمًا، والتفّ المسلمون حول البشير الذي جاء بالخبر، وكان زيد بن حارثة رضي الله عنه ، يطمئِنُّون على النبي صلى الله عليه و سلم الذي لم يرجع مباشرةً من بدر، فقد مكث في أرض بدر ثلاثة أيام كعادة الجيوش المنتصرة، وبعد ذلك رجع إلى المدينة المنورة؛ فكان خبر النصر سابقًا لرجوع النبي صلى الله عليه و سلم ، واستقبلت وفود التهنئة الرسول صلى الله عليه و سلم بمنتهى الترحاب والفرح والسرور، وفي الوقت نفسه جاء الكثير من الأنصار يعتذرون من عدم مشاركتهم في هذه الغزوة مع رغبتهم الأكيدة في الجهاد في سبيل الله، وهم لم يكونوا يعرفون أن هناك قتالاً، ومن بينهم أُسيد بن حضير الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقال: "يا رسول الله، الحمد لله الذي أظفرك وأقرَّ عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوًّا، ولكن ظننت أنها عيرٌ، ولو ظننت أنه عدو ما تخلّفت". فقال له صلى الله عليه و سلم : "صَدَقْتَ".

    فمشاعر الندم هذه التي كانت في قلوب الأنصار والمهاجرين الذين لم يشاركوا في غزوة بدر، سيكون لها أثرٌ إيجابيٌّ وواضحٌ في مقدمات غزوة أُحد كما سيتبيَّن لنا، فكان لغزوة بدر أثرٌ إيجابيٌّ كبير على الجيش المسلم، وأثرٌ إيجابي أيضًا على الذين لم يشاركوا، قامت الدولة الإسلامية على أكتاف هؤلاء وهؤلاء.

    « photos des travaux du barrage tine- Tunisieغزوة بدر: آثار غزوة بدر على المشركين »

    Tags Tags : , , , ,
  • Commentaires

    1
    Mercredi 14 Novembre 2018 à 15:34
    غزوة بدر من الغزوات التي ينبغي على كل مسلم معرفتها ففيها نصر الله المؤمنون الصادقون على الكفار وكانت البداية لباقي الانتصارات الأخرى ونشر الإسلام في كل بقاع العالم.
    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :